العلاقات السودانية الروسية.. صراع المصالح والنفوذ
الخرطوم / آمنة حسن
– في مطلع السبعينات قامت الحكومة السودانية بقطع العلاقات مع الاتحاد السوفيتي من جانب واحد. لكن بعد انتهاء عهد الانقلاب العسكري وبداية الحكم الديمقراطي عام 1985 بدأت العلاقات بين البلدين تعود إلى مجراها الطبيعي بشكل تدريجي. وفي تاريخ 29 ديسمبر عام 1991 خلال حكم الإنقاذ أعلن السودان اعترافه الرسمي بروسيا الاتحادية،. ثم حدثت توترات ومقاطعه للقوتين العظمتين أمريكا وروسيا ، لكن في السنوات الأخيرة لحكومة البشير توطدت العلاقة من خلال التعاون العسكري بشكل خاص، وبعد ثورة ديسمبر أثار انشاء القاعدة العسكرية في البحر الأحمر الكثير من اللغط، وبدأ صراع خفي بين القوى الكبري على ساحل شرق السودان .
حرب باردة
وفي الأول من مارس الماضي رست المدمرة الأمريكية “يو إس إس ونستون تشرشل” وجهًا لوجه أمام الفرقاطة الروسية “أدميرال غريغوروفيتش” على ميناء بورتسودان، هذا المشهد بصورته تلك أعاد للأذهان الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي خلال الفترة من منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، كما أنه حمل الكثير من الدلالات التي تكشف حجم وقوة السباق المحموم بين واشنطن وموسكو على سواحل السودان ، وقد تحولت إفريقيا خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة كبيرة للتنافس العالمي بين القوى، فالموقع الجيوسياسي المتميز والثروات الهائلة التي تحتضنها القارة، ومن بين دول القارة يأتي السودان بما يمتاز به من موقع إستراتيجي ليتحول إلى مسرح عالمي لاستعراض القوى، حيث تتبارى أمريكا وروسيا لإيجاد موطئ قدم لهما في ساحل البحر الأحمر، في إطار التنافس التقليدي بينهما من جانب، ولتعزيز نفوذهما في تلك البقعة الحيوية من العالم من جانب آخر .
تعاون عسكري
وفي مايو العام الماضي رست البارجة الحربية الروسية PM-138 على ميناء بورتسودان في زيارة استغرقت 48 ساعة، وفق ما نقلت صحيفة السوداني عن مصادر لم تسمها ، و قبلها أعلن مسؤول سوداني رفيع في تصريح لوكالة الأناضول، أن بلاده قررت تجميد اتفاق عسكري مع موسكو يتضمن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر شرقي البلاد، وهو ما نفته السفارة الروسية لاحقاً ،. وقد صدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 نوفمبر 2020 على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية وفق “روسيا اليوم”
و وسط هذا التضارب بحث رئيس أركان الجيش السوداني الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين مع نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال ألكسندر فومين، تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين ، كان ذلك لدى لقاء الحسين المسؤول الروسي بمقر قيادة الجيش بالخرطوم بحسب بيان من الجيش السوداني، نشر على صفحة القوات المسلحة عبر فيسبوك.، وأضاف البيان أن “اللقاء بحث سبل تطوير العلاقات بين الجيش السوداني والروسي” (دون تفصيل). وأشاد المسؤول العسكري الروسي بالتعاون بين جيشي البلدين و وصف العلاقة بالتاريخية.
موقف رمادي
وعقب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر والاطاحه بحكومة عبدالله حمدوك اتخذت روسيا موقفاً رمادياً أو محايداً من هذا الحدث ، وصرح نائب ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة “ديمتري بوليانسكي” بأنه “من الصعب القول ما إذا كان هذا انقلابًا أم لا” وادعى أن أحداثاَ مثل تلك التي وقعت في السودان تحدث في أماكن أخرى من العالم دون أن يطلق عليها اسم انقلاب، وعلى الفور ارجع وزير الخارجية الخارجية “سيرجي لافروف” حالة عدم الاستقرار في السودان إلى الأعمال المزعزعة للاستقرار من قبل القوى الغربية، والتي أدت إلى تآكل وحدة أراضي البلاد وفرض الديمقراطية في اتهام مباشر لدول الغربية، وأدى رفض روسيا لإدانة مخططي الانقلاب لتسليط الضوء على إمكانية استفادتها من الناحية الجيوسياسية من تغير الرياح السياسية في السودان، حيث تنظر روسيا إلى الاحتكاكات المحتملة بين السودان والدول الغربية، التي انبثقت عن الانقلاب، على أنها دفعة تعزيز لاحتمالات بناء قاعدة بحرية في بورتسودان ولشراكتها الدفاعية مع الخرطوم.
ويرجح بعض الخبراء أن مصالح روسيا في السودان تتعزز من خلال الانتقال الجزئي إلى الحكم المدني، وهو تحول غير ليبرالي بطبيعته ويمنح نفوذاً كبيراً للجيش السوداني، ويرى استاذ العلوم السياسية صلاح الدين الدومة أن روسيا اليوم لسيت الاتحاد السوفيتي فقد أصبحت تساند النظم الدكتاتورية وتجد ضالتها في هذه النظم المتسلطة والعكس صحيح حيث تجد الحكومات الشمولية ضالتها في روسيا، فهي لا تملك شيئاَ لتقديمه للأنظمة سوى السلاح ، إلى جانب صراع النفوذ مع الولايات المتحدة الأمريكية لذلك فإن العلاقات السودانية الروسية تصب في اتجاه واحد وهو العسكري.
تحذيرات أمريكية
وفي ظل الصراع المستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا حذرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية “مولي في”، من أن انتصار روسيا في السودان يعني عواقب إنسانية وخيمة في شمال وشرق القارة الإفريقية. وقالت “مولي في”، خلال جلسة أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي إن بعض الحكومات ومنها روسيا، قد تحقق مكاسب تكتيكية حال انهارت الدولة السودانية، ما يؤدي إلى عواقب إنسانية هائلة، فضلاً عن زعزعة الاستقرار في شمالي وشرقي إفريقيا.
ووفقاً لـموقع (فوكس نيوز) الأمريكي تسعى واشنطن لإعادة ضبط سياستها في الخرطوم بحيث تكون مبنية على أساس مواجهة موسكو مع التعامل بحذر مع الأطراف السودانية، ونوه الموقع إلى أن السودان يمثل أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في القارة الأفريقية خاصة بعد أن ارتفعت مبيعات موسوكو من الأسلحة بنسبة 25% في السنوات الخمس الأخيرة.
تبادل ثقافي
ويبدو أن روسيا بدأت نشاطها على كافة المستويات بما فيها الاجتماعي والثقافي بين الشعبين، حيث صرح الكابتن طيار مهند الرشيد البلال المدير العام لمجموعة جوب سنتر المشرف العام على البيت الروسي في الخرطوم ان الهدف من تطوير العلاقات بين الشعب السوداني و الروسي على كافة الاصعدة وتعريف السودانيين بعادات وتقاليد الروس التي تتشابه في مجملها كثيرا مع عادات وتقاليد الشعب السوداني. وأضاف البلال لدى مخاطبته حفل تدشين فعاليات البيت الروسي بالخرطوم الأسبوع الماضي، وبحضور عدد من الصحفيين والإعلاميين السودانيين والروس وبعض المنظمات الشبابية السودانية المهتمين بالعلاقات السودانية الروسية وعدد من خريجي الجامعات الروسية ان البيت الروسي ينتشر في 82 دولة حول العالم ويعمل تحت إشراف وزارة الخارجية الروسية لتعزيز التواصل والصداقة مع شعوب العالم وتقديم روسيا وشعبها بشكل لائق للعالم دون الوقوع في فخ الحملات الاعلامية التي تستهدفها واقر البلال بضعف التواصل الشعبي بين السودانيين والروس في السنين الأخيرة مؤكدا ان البيت الروسي في الخرطوم سيمهد الطريق أمام كل وسائل وادوات التواصل بين الشعبين وسيعمل على زيادة كل الانشطة والفعاليات الثقافية والعلمية التي تربط بين السودان وروسيا.