أمريكا.. الاستعداد لأول انقلاب!!

أمريكا.. الاستعداد لأول انقلاب!!

  • مقال بقلم: النذير السر

يجزم كثير من المراقبين أن الحرب الروسية الغربية (أوكرانيا) تمثل نهاية للنظام العالمي الذي ابتدر عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية النهاية للسيطرة الغربية المطلقة على السياسية العالمية (مجلس الأمن).

 غير أن آخرين يذهبون إلى أن أهم مؤشرات الشيخوخة الغربية تمظهر باكرا، في الانتخابات الأمريكية، التي جاءت بدونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية فقد صعد، هو وحزبه إلى مقعد الحكم استنادا لبرنامج انتخاب مصادم تماما لكل القيم الديمقراطية، الخطاب الذي قسم الأمريكيين لبيض وسود ولسكان أصليين ومهاجرين، لم يجد منافسيه الديمقراطيون طريقا لستر هذه الواقعة المضادة للقيم الأمريكية غير اتهام روسيا بمساعدة ترامب والحزب الجمهوري، عبر قيامها بحملات إعلامية مساندة لترامب.

لم يكتفى الجمهوريون باستخدام روسيا كأداة غير ديمقراطية لفوز ترامب، ولكن تم استخدام ذات الحجة في النزال الانتخابي الأخير في مواجهته، غير أن الجمهوريين ولوضوحهم الشديد لم يبحثوا عن شماعة خارجية لتبرير فوز بايدين بالرئاسة، غير أن الاتهام الذي تم توجيهه من قبلهم تجاه لجنة الانتخابات الأمريكية مثل هو الآخر، نعيا مبكرا وجهيرا الديمقراطية الأمريكية.

تم استخدام سانحة جائحة كرونا استخداما سيئا، بحسب الجمهوريين لصالح بادين، فقد تم إرسال بطاقات التصويت عبر البريد الإلكتروني، وتم رصد ما يقارب الخمسين ألف بطاقة جاءت جميعها لصالح بايدن، هذا غير الملاحظات الفنية والإجرائية على طريقة التصويت الإلكتروني، والتي تختلف عن مناخات التصويت المباشر في المراكز، حيث تظل البطاقة لساعات طويلة بصحبة الناخب، كما يمكنه التحدث مع مجموعة من الأشخاص قبل أن يمارس حقه الدستوري الأمر الذي يجعله عرضه التأثير، وهذا غير متاح في مراكز التصويت المباشر.

 كان لا بد من هذه المقدمة عن الانتخابات الماضية التي صعد على إثرها الحزب الديمقراطي لقيادة أمريكا، لأن البرنامج الانتخابي الأبرز الذي يتحكم في الرأي العام الأمريكي والأكثر تأثيرا حتى من التضخم وارتفاع أسعار الطاقة، هو التلاعب الذي جرى في الانتخابات الماضية بحسب الجمهوريين، والمخاطر التي تهدد العملية الديمقراطية بحسب الديمقراطيين، فقد انتبهت لجنة انتخابات (الحزب الجمهوري) إلى أن أهم ثغرة تمت هزيمتهم من خلالها في الدورة الانتخابية الماضية، كان هو منصب السكرتير الولائي.

 هذا المنصب اتضح أن أهميته أكبر من منصب حاكم الولاية، لأن إجازة النتائج النهائية للعملية الانتخابية تمر عبر توقيع السكرتير الولائي على النتيجة النهائية، وهدد الجمهوريون بعد حملات انتخابية مكثفة واستطلاعات رأي لمراكز مستقلة وأخرى مقربة منهم أنه، وفي حال لم يفز مرشحو حزبهم بمناصب السكرتير بجميع الولايات، فإنهم لن يعترفوا مطلقا بنتائج الانتخابات، الأمر الذي وصفه بالمقابل الديمقراطيين بأنها محاولة مبكرة للجمهوريين بالانقلاب على الديمقراطية.

وفيما يتصل بمجلس النواب والشيوخ يحتاج الجمهوريون فقط لخمسة مقاعد ليسيطروا على المجلسين فيما تؤكد استطلاعات الرأي العام فوزهم شبه المؤكد بعشرين مقعدا، الجمهوريون تجاوزا قضية الحرب على (أوكرانيا) بل تم التوافق عليها بالكونغرس مع الديمقراطيين.

 غير أن مراقبين يقولون إن الأمر لا يتجاوز خشيتهم من استخدام أي موقف مضاد من مواجهة (روسيا) ضدهم في النزال الانتخابي، وأنهم يديرون حملتهم بارتياح كبير فلا يمكن للديمقراطيين إقناع الرأي العام الأمريكي بقبول معدلات التضخم الحالية وكذلك أسعار الطاقة، كما أن أكبر تحد صنعه الجمهوريون وترامب بشكل خاص، هو جعلهم أن الطريق للبيت الأبيض يمر عبر قضايا (الداخل الأمريكي) وليست قضايا الخارج، وهو الأمر الذي دفع بايدين بضخ (ترليوينات الدولارات) بغية خلق وظائف جديدة وتحريك الاقتصاد، ولكن سياسته الاقتصادية تسببت في آثار اقتصادية كارثية (التضخم).

 غير أن كلا الحزبين تجاوزا في هذه الانتخابات القضايا الخارجية والداخلية الكلية، وأصبحت القضية المحورية هي (التشكيك) في آليات العمل الانتخابي من جانب الجمهوريين والرد على هذا التشكيك من الديمقراطيين بأنها محاولات (لوأد الديمقراطية) الأمريكية، استعان بايدن بكلينتون وأوباما في إطار مخاطباته الجماهيرية، بينما استعاد الحزب الجمهوري استخدام تأثير ترامب، والذي تزامن تكاثف نشاطه السياسي مع احتمال إعادة المالك الجديد لموقع (توتير) ماسك، دونالد ترامب لمنصته الاجتماعية، والتي يتوقع أن يكون لها تأثير كبير على الرأي العام الأمريكي.

 شهدت الانتخابات الأمريكية الأخيرة مظاهر لم تشهدها منذ تاريخ نشأتها الأول، حيث تلكأ ترامب بالاعتراف بفوز منافسه بايدن، وتأخر إعلان النتيجة لأسابيع؛ نظرا للطعن القانوني فيها من قبل الحزب الجمهوري، واقتحم أنصار ترامب البيت الأبيض، وانتشر الجيش الأمريكي عوضا عن الشرطة الأمريكية، وهي أجواء ومظاهر بعيدة عن المظاهر والأعراف الديمقراطية، وقريبة من ملامح الانقلابات العسكرية.

 الأمر الأكثر خطورة أن تلك الأجواء التي عايشها الأمريكيون في انتخابات الرئاسة تمت استعادتها بصورة أكثر حدة في الانتخابات النصفية، فكيف سيكون الحال عند الوصول لمحطة الانتخابات الرئاسية!! وقد تأكد دفع الجمهوريين لترامب مرة أخرى للترشح للرئاسة، فأكثر الكلمات المستخدمة في المخاطبات الجماهيرية من كلا الطرفين، التلاعب، التزوير، الانقلاب، فهل تكمل واشنطن استعدادها لاستقبال أول انقلاب عسكري، فاخر تصريح للرئيس الأمريكي بادين ليلة أمس في حفل انتخابي كان هو (الديمقراطية الأمريكية في خطر)!