ميراث صداقة الألفية: مشاريع السودان حاضرة في مقال الرئيس الصيني | النص الكامل للمقال
خاص – الصين: د. ياسر محمود
- في 8 ديسمبر، وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض لحضور القمة الأولى بين الصين والدول العربية، وقمة مجلس التعاون بين الصين ودول الخليج العربي والقيام بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية.
وطرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مقالاً بعنوان “ميراث صداقة الألفية، لنبتكر مستقبلاً أفضل معًا”، نشره موقع “ميدل إيست ووتش” إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية .
النص الكامل للمقال كالتالي:
أتيت وأنا أحمل معي مشاعر الصداقة العميقة من الشعب الصيني، أتيت إلى الرياض مرة أخرى لأشارك الأصدقاء العرب في القمة الصينية العربية الأولى والقمة الأولى للصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولتنفيذ زيارة الدولة إلى المملكة. ستكون هذه الزيارة زيارة لتوارث الماضي وفتح الآفاق، وتهدف إلى تكريس الصداقة التاريخية بين الصين وبين الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والسعودية، وميلاد حقبة جديدة للعلاقات بين الصين وبين العالم العربي ودول الخليج العربية والمملكة العربية السعودية.
(1) أولا: صداقة ذات تاريخ طويل ممتد لآلاف السنين:
يرجع تاريخ التواصل بين الصين والدول العربية إلى ما قبل أكثر من 2000 سنة. منذ ذلك الحين، يشهد طريق الحرير البري تبادلات كثيفة بين التجار والمسافرين، ويشهد طريق التوابل البحري تباري السفن الشراعية، حيث تتلألأ الحضارتان الصينية والعربية في طرفي قارة آسيا. وانتقل الخزف وصناعة الورق والطباعة الصينية غربا، وانتقل علم الفلك والتقويم والطب والصيدلة العربية شرقا. قمنا بتبادل الاستفادة وإلهام الابتكار وتفعيل الأفكار ونشر منجزات التواصل الحضاري إلى أنحاء العالم، مما سجل قصة ذائعة الصيت في التاريخ للتمازج والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة بين الشرق والغرب.
كان التواصل بين الصين ودول الخليج العربية مسجلا في الوثائق التاريخية. كان قان ينغ الموفد من الإمبراطور الصيني في أسرة هان الملكية الشرقية ترك أقدم سجل رسمي لسفر الموفد الصيني إلى دول الخليج العربية حينما سجل أنه زار منطقة الخليج حتى “وصل إلى البحر الغربي لرؤية بلد داتشين”. ووصل البحار العربي أبو عبيد إلى مدينة قوانغتشو الصينية قبل أكثر من 1200 عام على متن سفينة انطلقت من ميناء صحار العماني، وكانت هذه التجربة الأسطورية مصدرا لقصص مغامرات السندباد الرائجة. في الثمانينات من القرن الماضي، تم إعادة تمثيل الرحلة البحرية التي قام بها البحار العربي في العصور القديمة من قبل سفينة “الصحار” التي صنعت على طراز السفن القديمة، وإحياء مشاهد التواصل الودي التاريخي بين الجانبين الذي يمتد إلى اليوم.
ظلت الصين والمملكة العربية السعودية تتبادلان الإعجاب ببعضهما البعض منذ القدم، وتتواصلان بشكل ودي. وقال رسول الله محمد “اُطلبوا العلم ولو في الصين.” ووصل الملاح الصيني وانغ دا يوان قبل 700 سنة في أسرة يوان الملكية إلى مكة المكرمة لتقديم احترام لها، واصفا إياها في كتابه “داو يي تشي ليويه (سجلات الجزر)” الذي يعد من الأراشيف الصينية المهمة عن السعودية القديمة بأنها “تتميز بالمناظر المنسجمة والطقس المعتدل في الفصول الأربعة والحقول الخصبة التي يزرع فيها الأرز بكثافة والأمان والرخاء لأهلها”. سافر الملاح الصيني تشنغ خه قبل 600 سنة في أسرة مينغ الملكية إلى جدة والمدينة المنورة لعدة مرات في رحلاته البحرية البعيدة المدى، حيث نشر الصداقة وعزز التواصل، مما ترك قصصا رائعة لدى الشعوب لغاية اليوم. إن ما تم استكشافه في السنوات الأخيرة من الخزفيات لأسرتي سونغ ويوان الملكيتين في ميناء السرين الأثري الذي قام فيه الجانبان الصيني والسعودي بأعمال التنقيب المشتركة يروي تاريخ الصداقة بين البلدين.
(2) ثانيا: التضامن والتعاون لبناء مجتمع صيني عربي ذي مصير مشترك في العصر الجديد:
إن العالم العربي عضو مهم في الدول النامية وقوة مهمة للحفاظ على العدالة والعدالة الدولية. فالشعب العربي ينادي بالاستقلال، ويعارض التدخل الخارجي، ولا يخاف من القوة والهيمنة. هؤلاء شعب يسعى إلى التقدم. الدول العربية هي دول ذات موارد متنوعة، وخصائص صناعية مميزة، وإنجازات ملحوظة في البناء، وهي دول ذات إمكانات كبيرة. الحضارة العربية تدعو إلى السلام والوئام، وتشجع على التسامح والتعلم المتبادل، وتعارض صدامات الحضارات، وهي حضارة ذات تراث عميق. تحتل الدول العربية مكانة مهمة في السياسة والاقتصاد والحضارة العالمية.
منذ الخمسينيات من القرن الماضي، أقامت الصين والدول العربية علاقات دبلوماسية متتالية. يتفاهم الجانبان بعضهما البعض، ويحترمان بعضهما البعض، ويساعد كل منهما الآخر، ويقفان معًا في السراء والضراء. لقد أصبحوا أصدقاء جيدين يتعاملون مع بعضهم البعض على قدم المساواة، وشركاء جيدون من الذين ينتفعون ببعضهم البعض، وأخوة طيبون يشتركون في الخير والشدائد. مع دخول القرن الحادي والعشرين، انطلقت العلاقات الصينية العربية إلى الأمام في ظل تقلبات الأوضاع الدولية، وحقق اتساعا ملحوظا وعمق الثقة السياسية المتبادلة والمنفعة الاقتصادية المتوازنة والتعلم المشترك بين الحضارات، وقفز قفزات تاريخية.
دخلت العلاقات الصينية العربية عصرا جديدا في العقد الماضي، وحققت سلسلة من الإنجازات الأيقونية والخارقة في شتى المجالات. أقامت الصين مع الدول العربية كمجموعة علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، وأقامت علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الاستراتيجية مع 12 دولة عربية، ووقعت على وثائق التعاون بشأن بناء “الحزام والطريق” مع 20 دولة عربية. وأعربت 17 دولة عربية عن دعمها لمبادرة التنمية العالمية، وانضمت 15 دولة عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وشاركت 14 دولة عربية في “مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات”. وتدعم الدول العربية بثبات مبدأ الصين الواحدة، وتدعم جهود الصين للحفاظ على مصالحها الحيوية. من جانبها، تدعم الصين جهود الدول العربية في الحفاظ على سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، ولم يغب الدعم الصيني الثابت والدائم يوما للدول العربية في القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا. وأصبحت المشاريع الهامة التي تم تشييدها بالتعاون بين الجانبين، بما فيها مسجد الجزائر الأعظم وملعب لوسيل في قطر ومبنى بنك الكويت المركزي الجديد، وتنفيذ مشاريع سد مروي وتعلية سد الروصيرص ومجمع أعالي نهر عطبرة في السودان، كلها أصبحت معالما للصداقة الصينية العربية. وأنشأت الصين 20 معهد كونفوشيوس وفصليْ كونفوشيوس في الدول العربية، وتم فتح تخصص اللغة العربية في أكثر من 40 جامعة صينية، الأمر الذي يولد قوى شابة متدفقة للصداقة الصينية العربية. بعد حدوث جائحة فيروس كورونا المستجد، تضامنت وتساندت الصين والدول العربية بروح الفريق الواحد، وأجرت تعاونا فعالا في مجالات تطوير اللقاح واستخدامه والوقاية والسيطرة المشتركة وتقاسم الخبرات والأدوية العلاجية وغيرها، مما نصب قدوة يحتذى بها للتضامن في مكافحة الجائحة. وأقام الجانبان 17 آلية على التوالي للتعاون بينهما في إطار منتدى التعاون الصيني العربي، وقاما من خلالها بتوسيع نطاق التعاون وإثراء مقوماته وتعزيز التطور الشامل والمزدهر للعلاقات الصينية العربية بشكل قوي، الأمر الذي يعتبر قدوة للتعاون والتضامن بين الدول النامية.
في ظل التغيرات غير المسبوقة التي لم يشهدها العالم منذ مائة عام، تواجه كل من الصين والدول العربية المهمة التاريخية لتحقيق نهضة الأمة وتسريع التنمية الوطنية. في ظل الأوضاع الجديدة، ستعمل الصين مع الدول العربية على تكريس روح الصداقة فيما بينها وبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد. ستواصل الصين والدول العربية رفع راية عدم التدخل في الشؤون الداخلية عاليا، وتتبادل الدعم الثابت لبعضها البعض في الحفاظ على السيادة وسلامة الأراضي، وتعمل معا على الدفاع عن الإنصاف والعدالة الدوليين. ستواصل الصين والدول العربية التعاون في بناء “الحزام والطريق”، وتوسيع نطاق التعاون العملي باستمرار في مجالات الغذاء والطاقة والاستثمار والتمويل والطب وغيرها، بما يحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك بجودة أعلى وفي بعد أعمق. ستواصل الصين والدول العربية تنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي يدا بيد، بما يضخ مزيدا من الاستقرار للمنطقة التي تشهد التحولات والاضطرابات، ويضيف مزيدا من الطاقة الإيجابية لقضية السلام والتنمية. ستواصل الصين والدول العربية تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، لتجاوز الفوارق الثقافية والصراع الحضاري بالتواصل والمنفعة بين الحضارات، وتعزيز التعارف والتقارب بين الشعوب لبناء بستان تزدهر فيه كافة الأنواع من زهور الحضارات.
(3) ثالثا: المضي قدما معا لبناء علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية الخليجية:
حققت عملية تكامل دول مجلس التعاون الخليجي نتائج ملحوظة، وتعد واحدة من أكثر المنظمات الإقليمية ديناميكية في العالم. تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا جغرافية متميزة وهي المحور الجغرافي الذي يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا؛ فهي غنية بموارد الطاقة، حيث يمثل احتياطي النفط والغاز الطبيعي 30% و 20% على التوالي من العالم على التوالي، وهما مصدران لثروة الطاقة ضمن الاقتصاد العالمي، وجميعنا مصممون على التطور وأن نجرؤ على أن نكون الأوائل، هنا أرض خصبة لتنمية صناعات التكنولوجيا الفائقة. لأكثر من 40 عامًا، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي ببناء “سوق واحد، واقتصاد واحد، ونظام مالي واحد” ولعبت دورًا متزايد الأهمية في الشؤون الدولية والإقليمية.
منذ فترة طويلة، حافظت العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على تنمية صحية ومستقرة، وكان للتعاون في مختلف المجالات مدى واسع وعمق ونتائج مثمرة. في السنوات العشر الماضية، كانت العلاقة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي مزدهرة ومثمرة. لا تزال الصين أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي وأكبر مصدر للمنتجات البتروكيماوية. في عام 2021، سيتجاوز حجم التجارة بين الجانبين 230 مليار دولار أمريكي، وستتجاوز واردات الصين من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي 200 مليون طن. كان التعاون التقليدي بين الجانبين في الطاقة الإنتاجية وتشييد البنية التحتية والاستثمار والتمويل واسع النطاق ومتعمقا، كما أن التعاون أصبح عالي التقنية باتصالات 5G والطاقة الجديدة والفضاء والاقتصاد الرقمي المتصاعد. وباتت الأعمال التجارية الجديدة مع بطاقة “التصنيع الذكي” والمشهد الصناعي الجديد تظهر التطور الجديد لسلاسل الشحن الصيني.
في مواجهة المستقبل، ستنتهز الصين فرصة إقامة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لترسيخ الصداقة التقليدية وتعميق الثقة المتبادلة، ومواصلة دعم دول المجلس الخليجي بحزم في الحفاظ على السيادة والاستقلال والأمن والاستقرار، ومواصلة دعمها لتسريع بناء التكامل وتحقيق التنمية المتنوعة. ستعمل الصين مع الجانب الخليجي على بناء نمط جديد ومتزايد الأبعاد لتعاونهما في مجال الطاقة، وتسريع التطور الجديد للتعاون في مجالي المالية والاستثمار، والعمل سويا على تنمية نقاط بارزة جديدة للتعاون الإنساني والثقافي، وتوسيع نطاق التعاون في مجال الابتكار، ومواصلة تعميق اندماج المصالح بين الصين والجانب الخليجي.
(4) رابعا: بذل جهود حثيثة للارتقاء بالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة العربية السعودية إلى آفاق جديدة:
المملكة العربية السعودية بلد مهم في تصدير الطاقة في العالم وعضو في مجموعة العشرين. بصفتها شريكًا استراتيجيا وصديقا مخلصا، يسعد الصين أن تر الشعب السعودي بقيادة الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، يسعى لتحقيق “رؤية 2030″، وأن إصلاحات التنويع الاقتصادي والاجتماعي قد حققت نتائج إيجابية، وأن “الشرق الأوسط الأخضر” و “المملكة العربية السعودية الخضراء” وغيرها من المبادرات التنموية الكبرى قد جذبت الكثير من الاهتمام، وأن مكانة المملكة العربية السعودية وتأثيرها في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة العالمية قد تحسنت باستمرار. نحن فخورون بما حققه الأصدقاء الجيدون.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة العربية السعودية، ازدهرت العلاقات الثنائية، وخطى التعاون الصيني السعودي خطوات كبيرة في السنوات العشر الماضية. يحترم الجانبان سيادة الطرف الآخر ومسار التنمية في البلاد، ويحترم كل منهما تاريخ الآخر وتقاليده الثقافية، ويدعم كل منهما الآخر في الحفاظ على الأمن والاستقرار الوطنيين، وينفذان تنسيقًا استراتيجيًا وثيقًا. تطور التعاون العملي بسرعة. من مصفاة ينبع إلى مشروع جولي إيثيلين للبتروكيماويات، من مجمع جيزان الصناعي إلى مشروع البنية التحتية العامة للبحر الأحمر، من اتصالات الجيل الخامس إلى الاستكشاف التعاوني على سطح القمر، تم إطلاق مشاريع كبرى واحدة تلو الأخرى. تستمر التبادلات الشعبية والثقافية في التوسع، حيث تقدم أربع جامعات في المملكة العربية السعودية تخصصات صينية، وثماني مدارس ابتدائية وثانوية تقدم دورات دراسية في اللغة الصينية. يحظى أول فيلم رسوم متحركة تلفزيوني “الحكيم وكونغ شياو تسي” بإنتاج مشترك بين الصين والمملكة العربية السعودية بإعجاب الأطفال على نطاق واسع، وينشر بذور الصداقة بين الصين والمملكة العربية السعودية.
ستنتهز الصين هذه الزيارة كفرصة لتعزيز شراكتها الاستراتيجية الشاملة مع المملكة العربية السعودية، وفهم ودعم بعضهما البعض بثبات، والدعوة بشكل مشترك إلى الاستقلال والاعتماد على الذات، والتكاتف لمواجهة التدخل الخارجي. تعزيز البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” و “رؤية المملكة العربية السعودية 2030″، وتعزيز التعاون العملي في مختلف المجالات لتعميق وترسيخ وتعميق تكامل المصالح والروابط الشعبية بين البلدين. وتعزيز التعاون في الآليات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وممارسة التعددية الحقيقية بشكل مشترك، من أجل تقديم مساهمات أكبر للحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز التنمية والازدهار في العالم.
في أكتوبر من هذا العام، عقد الحزب الشيوعي الصيني بنجاح المؤتمر الوطني العشرين، وهو يعمل على توحيد الشعب الصيني وقيادته نحو اتجاه بناء دولة اشتراكية حديثة بمفهوم شاملة. إن الصين قوة صاعدة للحفاظ على السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة. ستوفر الصين بثبات فرص جديدة لدول العالم، بما في ذلك الدول العربية، ضمن ملحمة التطور الصينية الجديدة. ومع الأشقاء العرب، سوف نتوارث الصداقة التاريخية، ونصنع معا علاقات متجددة لمستقبل أفضل!