كم سيستغرق إعمار الخرطوم بعد الحرب؟ هنا تقديرات الخبراء
كم سيستغرق إعمار الخرطوم بعد الحرب؟ إليكم تقديرات الخبراء
تقرير: موقع اوبن سودان
– كم سيستغرق بناء العاصمة السودانية الخرطوم بعد نهاية الحرب التي اندلعت فيها منذ منتصف أبريل 2023؟
لا تبدو الإجابة سهلة على سؤال كهذا، لكن محررو موقع اوبن سودان تحدثوا مع بعض الخبراء في مجال العمران، والتخطيط، والاقتصاد، وغيرها من المجالات المرتبطة بإعادة الإعمار، واطلعوا على بعض المقالات والدراسات حول تجارب سابقة في هذا المجال، وإليكم الملخص:
تختلف المدة التي سيستغرقها إعادة إعمار مدينة ما بعد الحرب باختلاف نوع الحرب ومدى الضرر الذي لحق بالمدينة، ثم نوع إعادة الإعمار نفسه المطلوب إنجازه: هل سيتم بناء المدينة كما كانت أم سيتم إعادة تخطيطها بصورة أفضل وبمباني أحدث؟ وما مدى استعداد المدينة لخلق فرص التوظيف واستقبال المغادرين والمستثمرين؟ وما مقدار الموارد المتوفرة لإعادة الإعمار؟.
في الواقع، تم توجيه سؤال لنظام الذكاء الاصطناعي حول المدة التي يستغرقها إعادة بناء مدينة بعد حرب، فكانت إجابته “يمكن أن يختلف الوقت الذي يستغرقه بلد أو مدينة لإعادة البناء بعد حرب أو صراع كبير اعتمادا على عدد من العوامل، مثل شدة الضرر، والموارد المتاحة، والمناخ السياسي. بشكل عام، قد يستغرق الأمر سنوات أو حتى عقود حتى يتعافى بلد أو مدينة بشكل كامل من حرب أو صراع. بالإضافة إلى ذلك، من المهم ملاحظة أن إعادة البناء لا تتعلق فقط بالبنية التحتية المادية، ولكنها تشمل أيضا إعادة بناء المجتمعات، واستعادة الاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الآثار الاجتماعية والنفسية للصراع.”
تبدو إجابة الذكاء لاصطناعي نموذجية، ويقدم لنا التاريخ قصصا لمدن، ودول بكاملها أعيد بناؤها بعد حروب، لتصبح أفضل مما كانت عليه، وفي التاريخ القريب تبرز ألمانيا التي تم تدميرها بعد الحرب العالمية الثانية، واليابان أيضا، وقد استطاعتا بناء مدنهما في فترة قليلة لتصبحا من بين أقوى الاقتصادات في العالم.
لكن بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي كان ولا يزال يمر به السودان، فإن المعادلة تبدو مختلفة قليلا، فالخرطوم مثلا كانت تعاني أصلا من مشاكل في عمرانها وبنيتها التحتية وخدماتها قبل الحرب، ومع عدم توفر الموارد الكافية محليا لإصلاح ما دمرته المعارك، فإن إعادة إعمارها بسرعة تبدو صعبة دون عون خارجي.
وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بداية الحرب في الخرطوم فإن مظاهر الدمار تبدو في كل مكان، لكن مع ذلك فإن المباني المنهارة كليا والمدمرة بالكامل ليست كثيرة بالمقارنة مع عدد المباني في العاصمة، فقد جاء معظم الضرر جزئيا في الأحياء والأماكن التجارية من عمليات النهب والسرقة والإتلاف المتعمد للمتلكات، بينما بقيت معظم المباني سليمة، مما يعني أن التحدي سيكون أولا إزالة الأنقاض والأضرار المادية التي لحقت بهذه المباني ثم إعادة ترميمها، وليس بناؤها من جديد.
وقول خبراء إن المشكلة الحقيقية التي ستواجه الخرطوم ستكون إلى حد كبير “بيئية”، فقد تراكمت المئات من الجثث في الطرقات والأحياء الخالية، وفي المنازل والمحالّ اتي هجرها أصحابها، مما يشكل كارثة بيئية وصحية. وانتشرت أيضا المئات من السيارات المحترقة والمتعطلة في الشوارع بانتظار جمعها والتخلص منها، ثم أتى فصل الخريف أيضا فضاعف معاناة المدينة المنكوبة. سيستغرق تنظيف العاصمة من مخلفات الحرب ما يصل إلى سنة واحدة، حسب الخبراء الذين تحدث إليهم موقع اوبن سودان.
وأدت الحرب إلى تضرر وتعطل خدمات المياه والكهرباء والاتصالات في مناطق متعددة من ولاية الخرطوم، لكن استعادة هذه الخدمات لن يأخذ وقتا طويلا في الغالب، أشهر قليلة ستكون كافية كما يقول الخبراء.
في حرب الخرطوم الحالية وقع معظم الضرر على المواطنين أنفسهم بسبب فقدان ممتلكاتهم جراء النهب المسلح والسرقة، مما يعني أن عودة هؤلاء المواطنين إلى منازلهم الخاوية سيكون هو التحدي الحقيقي للخرطوم، بالنظر إلى محدودية دخل المواطنين، وتوقف النشاط الاقتصادي تماما خلال الحرب، مما سيشكل صعوبة حقيقية لهم لإعادة إعمار منازلهم وشراء ممتلكات جديدة، وهو الأمر الذي يقول الخبراء إن يمكن أن يحدث تدريجيا بعد عودة النشاط الاقتصادي، لكنهم قدروا الفترة اللازمة ليحصل المواطنون على الحد الأدنى مما يلزم منازلهم المنهوبة بسنة واحدة على الأقل. وتشير التقديرات إلى أن الجزء الأكبر من إعادة الإعمار فيما يتعلق بتأثيث المنازل سيتحمله الأقارب بالخارج، بالإضافة لتوقع سحب أموال كبيرة من البنوك بعد عودتها للخدمة لمن لديهم مدخرات فيها، لشراء مستلزمات المنازل من جديد.
ولن يكون شراء المستلزمات نفسه بهذه السهولة، فمعظم المحالّ التجارية في الخرطوم تعرضت للنهب، مما يعني أن المدينة ستضطر لاستيراد كميات كبيرة من احتياجاتها، وهو أمر سيكون صعبا في الشهور الأولى، لنظرا لفقدان الكثير من التجار والمستوردين أموالهم في الأحداث، وحالة التردد في الاستثمار التي ستجعل الكثير منهم يحجمون عن خوض نشاط تجاري في المدى القريب، مما سيؤدي لتطويل فترة إعادة الإعمار.
فقدت سكان الخرطوم خلال الحرب معظم سياراتهم، مما سيجعل التنقل والمواصلات معضلة كبيرة، وسيؤثر هذا على القطاع الحكومي والخاص، والتجاري، وسيؤثر على تعافيه وعودته للعمل بصورة كبيرة. قدر لنا خبراء الفترة اللازمة لحصول المواطنين والمؤسسات على سيارات ووسائل نقل مناسبة بثلاث سنوات، مع الإشارة إلى أن كثيرا ممن فقدوا سياراتهم لن يتمكنوا من الحصول على سيارات بديلة مجددا نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة.
سيكون التحدي الكبير التالي الذي ستواجهه الخرطوم هو عودة النشاط الاقتصادي وقطاع الأعمال، فقد تم تدمير هذا النشاط بالكامل تقريبا خلال شهور الحرب، وتم نهب المتاجر والمصانع والمعامل والمرافق التجارية المختلفة. لن يكون من السهل على هذه القطاع أن يتعافى، فالكثيرين فقدوا مدخراتهم ورؤوس أموالهم خلال الأحداث، وسيكون عليهم البداية من الصفر، كما أن عددا كبيرا منهم غادر الخرطوم لبداية أعمال في مناطق أخرى داخل وخارج السودان، ولن تكون المدينة التي تتعافى من محنتها جاذبة لهم من جديد.
لا توجد تقديرات دقيقة لحجم الخسائر الاقتصادية في القطاع التجاري للخرطوم بسبب الحرب، لكن الخبراء أبدوا تشاؤما بشأن تعافي هذا القطاع، وبتجميع العوامل المختلفة قدروا أن عودة القطاع التجاري في حده الأدنى للعمل سيستغرق ما يصل إلى 3 سنوات، ولا يشمل هذا التقدير القطاع الصناعي الذي لحقت به أضرار كبيرة في المصانع ومعداتها، والتي تحتاج لوقت أطول وموارد كبيرة لإعادة أعمارها، مع تقديرات بأن الكثير من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين من السودانيين والأجانب سيتخلون عن العودة للاستثمار في الخرطوم وسيفضلون نقل نشاطهم لمناطق أكثر استقرارا اقتصاديا وأمنيا على المدى القصير. ستستغرق إعادة بناء القطاع الصناعي ما يصل إلى 10 سنوات، وفق تقدير الخبراء.
لحقت بالقطاع الحكومي والخدمات العامة الكثير من الأضرار، مثل المطار والوزارات والمؤسسات العامة والمستشفيات، المرافق الخدمية، وفقدت الملفات وأجهزة الكمبيوتر والأصول لمعظم المؤسسات الحكومية، ولحقت بها أضرار كبيرة. ومع محدودية الميزانية العامة وعدم وجود بنود واضحة لمواجهة حالات طارئة كحالة الحرب، فإن إعادة إعمار وتشغيل هذه المؤسسات سيكون مرتبطا بتوفير الموارد لها من مصادر إضافية مثل المعونات الخارجية والصناديق الدولية، وغيرها، وهو أمر قدر الخبراء أنه سيستغرق ما يصل إلى سنة واحدة لإعادة تشغيل هذه المؤسسات في الحد الأدنى.
يبقى أن يشير موقع اوبن سودان إلى أن هذه الأرقام تقديرية قدمها خبراء اعتمادا على ما هو متوفر من معلومات، لكن الخسارة التي لا تعوض في الحرب تبقى دائما هي الإنسان، حيث فقد الآلاف أرواحهم في القتال، مما سيترك ضررا لن يزول عن أسرهم وأحبابهم، وسيؤثر حتما على عودة الحياة لطبيعتها في المدينة، التي قد تعود مبانيها ويعود نشاطها مع مرور السنوات، لكن ندوب الحرب ستبقى عالقة بذاكرتها لأجيال.
تابعوا الأخبار والتقارير من السودان وحول العالم بالاشتراك في قناة اوبن سودان الجديدة في واتساب من هذا الرابط