مقال: المبادرة ألامريكية: للسلام او الاستسلام!

المبادرة ألامريكية: للسلام او الاستسلام!

 

بقلم/بشارة سليمان نور

 

لم تبارح المبادرة الأمريكية محطة الشكوك والتحفظ الكبير لدي الحكومة وشعبها المقاوم للدوافع الحقيقة للمبادرة الأمريكية والإستيقاظ المفاجئ للإدارة الأمريكية للاهتمام بقضية الحرب والسلام في بلادنا وذات الإدارة هي صاحبة الدور السالب في الفترة الانتقالية عبر وضعها المبكر للعراقيل امام دعم الانتقال فى السودان بتعنتها المتعمد بالإبقاء على عقوبتها الاقتصادية علي السودان،فقد كانت عقوباتها الأحادية التي سببا مباشرا فى التدهور الاقتصادي أثناء فترة الانتقال،والناظر لتاريخ العلاقات الأمريكية السودانية ومنذ استقلال السودان لم تقوم يوما علي هوادي القانون الدولى أي على نسق العلاقات الدولية المنطوية تحت القانون الدولى القائم على تبادل المصالح والإحترام المتبادل ،فقد كانت دوما تضع السودان في خانة العدو حتى أبان الفترات الديمقراطية التى خلت من اي تعاون جدي غير انعطافات عابرة بالمنح والاغاثات إبان فترات الجفاف في السبعينات من القرن الماضي، وقد ذكر الامام الصادق المهدي وبعد سقوط نظام مايو وترأسه لحكومة الديمقراطية الثالثة انه طالب الامريكيين بإقامة العلاقات على نسق المنفعة والاحترام المتبادل ولكنها رفضوا هذا العرض،بل إنهم كانوا سببا مباشرا في وأد النظام الديمقراطي وقتها، هذه المقدمة كانت لازمة وضرورية لحقن الذاكرة السياسية الجمعية للسودانيين وغير بعيد عنها دورها في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)حيث قدمت عددا من المحفزات من أجل إنفاذها فيما يتصل بالدعم الاقتصادي ورفع العقوبات وحض مؤسسات التمويل الدولية لدعم السودان غير ام شئيا من ذلك لم يحدث البتة،ان الشكوك التى أظهرها السودانيين حول المبادرة الامريكية(جنيف)لم تنطلق من التاريخ القديم في العلاقة بين البلدين فحسب،بل ولدورها المباشر في اندلاع تمرد المليشا الاخير، فهي المتزعمة للجنة الرباعية التى تبنت بالكامل رؤية قحت وحليفها العسكري (المليشيا )حيث مثل منسق أعمالها سئ الذكر المبعوث الاممي فولكر،المخطط الرئيسي لاشعال الحرب ،وهو الامر الذي عبرت عنه بجهالة ومراهقة سياسية قوي الحرية والتغيير تحت شعار(الاطاري أو الحرب )كما أن موقف واشنطن من قضية الإصلاح الامنى

يؤكد هذه الشكوك فكيف لدولة تدعي دعمها للديقراطية أن تدعم بقاء جيش موازي لمدة عشر سنوات،كما أن موقفها منذ اتفاقية جدة وبالرغم من الأصوات التي تحركها المواقف الإنسانية المتسقة مع القانون الدولي في الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي بحق الأدوار التى يقوم بها اللاعب الإقليمي الخليجي الذي اوكلت له هذه المهة لم تحرك الإدارة الأمريكية ساكنا تجاهه بل وتعمل وبقوة لاشراكه في مفاوضات جنيف كمكافأة له،كل هذه المؤشرات بالإضافة لحالة التعويل المتناهي من قبل حلفاء المليشيا السياسين تؤكد أن واشنطن تريد لقاءا للاستسلام وليس لصناعة السلام،فهي وأتباعها الاقليمين الذين اشعلوا ومولوا هذه الحرب لم يتحركوا الا بعد استشعارهم الانهيار الوشيك للمليشيا بعد الحصار الدبلوماسي والقانوني الذي قامت به الحكومة السودانية ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية بالداخل والخارج،واشنطن ذاتها التى كانت حاضرة في اتفاقية جدة ولم تمارس اى دور تجاه عدم التزام المليشيا بها،كما أن واشنطن لها تاريخ حافل من الفشل في السياسية الخارجية،فنماذج تدخلاتها في الصومال والعراق وفيتنام وأخيرا أفغانستان جميعها تؤكد فشلها لاستنادها في معلوماتها على محض نشطاء سياسين سذج وعلى بعض حلفائها الاقليمين منعدمي الخبرة في السياسية الدولية،الذين أتاحت لهم مع انعدام خبرتهم لعب بعض الأدوار في ليبيا وسوريا واليمن وأخيرا السودان وانتهت جميعها بالفشل،كما أن واشنطن في العقد الاخير افتقدت حتى ثقة حلفائها في مصداقيتها وقدرتها على حمايتهم،فقد تخلت عن الرياض في مستنقع اليمن الأمر الذي دفع بالاخيرة للدخول فى حوار مباشر مع إيران عبر وساطة صينية تطور لاحقا لحوار مباشر مع الجماعة الحوثية المسيطرة علي الأوضاع في الجمهورية اليمنية،فإن كان حلفائها التقليديين

لايثقون بها فكيف للسودان أن يثق فيها كوسيط محايد ونزيه وهي التى تفرض عليه العقوبات وتساوي بين جيشه النظامي ومليشيا تمردت عليه،ان تصوير بعض قادة الرأى العام وقادة قحت لمفاوضات جنيف بأنها (الفرصة الأخيرة او الجحيم) ينم عن عدم وعي بالمتغيرات التى تجري بالاقليم والعالم أن الدوافع الرئيسيه لتحرك واشنطن لم تكن أخلاقية ،وإنما يأتى التحرك الأمريكي المرعوب من التحولات التى بدأ السودان في الولوج إليها في إطار حقه المشروع بإقامة التحالفات التى تصون أمنه القومي وتحمى سيادته وفقا للقانون الدولى،فتحرك واشنطن يأتى لمعالجة خطأها الكارثي الذي اوكلت لحلفائها الاقليمين وقحت والمليشا انفاذه،هذا الدور الذي يكاد يعصف بمصالحها في البحر الأحمر وشرق ووسط أفريقيا، فالسودان أيضا لديه شواغله التى لاتقل عن شوغل واشنطن ولذلك سيمضي لهذه المبادرة بعد استجلاء تام لاجندتها ومحاورها والمشاركين فيها،ثم يضع بعد ذلك شروطه الواضحة التى لايقبل التفاوض حولها.

والتي تتمثل في الجيش الواحد وعدم ضمان اي دور سياسي وعسكري للدعم السريع في المستقبل كما أكد ذلك رئيس مجلس السيادة ومساعده الفريق ياسر العطا،فالمتاح للميليشا هو الدمج والتسريح لمن تنطبق عليه المعايير المطلوبة للانضمام للجيش الوطني أما الأجانب من عناصر المليشيا فلا سبيل غير محاكمتهم وإبعادهم لاحقا الي بلادهم،ان الحالة الهتافية التى انتظمت الرأي العام بأسم السلام جهرا وتريد الاستسلام سرا للشعب والجيش عليها الاستفاقة، فإن الثمن الذي قدمه الشعب في هذه المعركة لامقابل له إلا بالأنعتاق التام من التقاطعات الإقليمية البائسة والخروج من هذه الحرب باستقلال كامل للقرار الوطنى وهذا متاح الان أكثر من أى وقت مضى،في ظل توازن القوى المتصاعد عالميا،كما أنه علي شعبنا المقاوم المساند لجيشه في هذه المعركة المصيرية الفاصلة بين بقاء الوطن و تلاشيه الاطمئنان وعدم الالتفات لبعض الأصوات السياسية التى تتحرك وفقا لمؤشر المال السياسي الاقليمي،ولو كان المال يجدي نفعا أمام الارادة الشعبية لعاد ذلك بالنفع علي قائد المليشيا الذي كان من اغنياء أفريقيا كلها،فقد انتصرت الارادة الشعبية المعبر عنها عبر الحكومة الوطنية التى تعاملت بوضوح تام مع التوجيهات والتصرفات الأمريكية الخارجة عن اللباقة والاعراف الدبلوماسية والقانون الدولي،فقد طالبت حكومتنا بالعودة لمنبر جدة،بأمر وكأنها تأمر احد بعثاتها الدبلوماسية وليست حكومة لها شرعية ودولة لها سيادة وشعب له تاريخ، وقد تابعتم تعليق نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار عن ذلكم التصرف،

وايضا أعادة وشنطن ذات تصرفها وبذات الطريقه المتنافية مع الاعراف والقوانين الدولية مع حكومة السودان ،واشنطن التى تستمد رؤيتها للتعامل مع السودان من نشطاء تقدم وحلفائها الاقليمين عديمي الخبرة بالسياسة الدولية،

حيث خاطبت الجيش للحضور لجنيف دون الاعتراف بالحكومة القائمةولابرئاسة البرهان للمجلس السيادي،ودون الاعتراف بالمكونات المشاركة في الحكومة، فكان الرد الحكومي واضحا، لن يتم أي تفاوض من غير الاعتراف بالحكومة القائمة بكافة مكوناتها وأن التفاوض سيكون بقيادة الحكومة وليست الجيش وتمت الاستجابة لهذه المطالب،وقبلها طالب المبعوث الأمريكي بزيارة البلاد والالتقاء بقيادتها في مطار بورتسودان وتم رفض هذا الأمر بشكل قاطع وبالرغم من حالة المنافحة من نشطاء قحت وتبريرهم لكل التصرفات الأمريكية المهينة بحق بلادنا فعادت واشنطن وصفعت وضاعتهم وأعتذرت وعدلت جميع تصرفاتها بمايتوافق والقانون الدولي والاعراف المرعية في مثل هذه الحالات،بل واشترطت الحكومة إقامة لقاء استكشافى في جدة لمعرفة أجندة التفاوض والمشاركين فيه وكذلك والمسهلين وتمت الاستجابة لها،بل واسندت رئاسة وفدها لأحد أعضائها المدنيين وليست العسكريين كما كانت ترغب واشنطن هذا قبل أن يتصدي مبارك الفاضل الذى صعد بسرعة الصاروخ من منصة( أوهام الوصايا) علي الأخرين الي منصة( جنون العظمة) فنصب نفسه مستشارا للحكومتين السودانية و الأمريكية معا، رافضا تسمية الأولي للوزير بشير ابونمو لرئاسة الوفد ومعترضا على واشنطن الموافقة على الالتقاء به،معرضا بتواجد الحركات السابق في ليبيا وجنوب السودان متناسيا انه كان المنسق العسكري للجبهة الوطنية بليبيا والجميع يعرف من سرق أموال الجبهة الوطنية وقتها ، ان كل هذه الاشتراطات لحكومة السودان تأتي تعبيرا عن امتنانها للمواقف الشعبية المساندة لها وتقول بوضوح علي الشعب أن لايركن لحملات التضليل الاعلامي العاطفي التى تصور أن لافكاك للشعب وحكومته من الذهاب لجنيف للاستسلام في حملة مشابهة تماما وبذات أطرافها المحلية والاقليمية والدولية لشعار(الإطاري أو الحرب)فعلي الشعب الاطمئنان فقد انتصرت ارادته قبل قبل إنطلاق( مبادرة جنيف)فالوفد الحكومي سيذهب الي هناك دون أي ضغوط فلا عقوبة أكبر من الحرب علي شعبنا وبلادنا، سيذهب والوفد الحكومي وبمعيته المساندة الشعبية وخياراته المتسعه في التحالفات الدولية والاقليمية التى تمكنه من حماية أمنه القومي ودحر مشروع المليشيا الارهابية وإقامة الجيش الواحد والمضي في طريق الإعمار والتحرير الي نهايته،فالوحدة القائمة آلان بين الجيش والشعب غير مسبوقة وهي ذاتها التى شكلت القناعة لدي القوى الغربية بحتمية انتصار الارادة الشعبية على المليشيا وطفيلياتها السياسية، فالحكومة عليها أن تدرك ان الحد الأدنى المطلوب أمريكيا من هذه المبادرة هو تفكيك العروة التى توثقت بين الحكومة و الشعب واصدقائه الاقليمين و الدوليين الذين ساندوه في هذه المحنة،ولهذا لايجب القبول باي شروط تحد من السير قدما في التحالفات الاستراتيجية التى انطلقت مع بعض الدول فكل حلفاء واشنطن بالمنطقة لديهم علاقات مع ذات الدول التى صعد السودان مع تعاونه الاستراتيجي معها بعد هذه الحرب،كما أن الحد الأعلي لهذه المبادرة يتمثل في الأبقاء على المليشيا وضمان لعب دور سياسي وعسكري لها في المستقبل وهذا يعني بكل وضوح تأجيل الحرب لمرحلة لاحقة، ان رعاة هذه المبادرة يدركون تأثير موسم الأمطار السلبي على أهم خصائص المليشيا(سرعة الحركة،والانتشار)

ولذلك يعملون بشكل وعاجل للتوصل لعملية وقف إطلاق النار خلال هذا الموسم،ليتم استئناف الحرب بعد استواء الأرض وإيصال الإمداد اللوجستي لها،ان اي عملية وقف إطلاق للنار يجب أن يكون عقب الوصول لاتفاقات واضحة فيما يتعلق بدمج المليشا وتسريحها،

كما أنه من الملاحظ انه كان يجري التحضير من قبل تقدم وممولي الحرب الاقليمين منذ عدة أشهر بمحاولات مستمرة لاستخدام العمل الإنساني كالية سياسية، فالموقف الروسي الاخير بمجلس الأمن يأتي متسق والحقائق على أرض الواقع، فالسودان لايعاني من مجاعة كما يدعي البعض بل يعاني أشكالا في توزيع المواد الغذائية فانتاج السودان في العام الماضي من الذرة والقمح تجاوز العشرة مليون طن،فيما تمارس المليشيا النهب السلب والاتلاف للمحصولات الزراعية دون أي إدنة من تقزم التي لم تكلف نفسها بزيارة معسكر النازحين باثيوبيا رغم إقامتها لمؤتمرها هنالك، كما أن الحكومة السودانية لم تمنع المجتمع الدولي إغاثة النازحين باثيوبيا الذين عادوا لوطنهم سيرا على الاقدام،بل حتي معسكرات النزوح بتشاد توقفت الإمداد الغذائي لها منذ أكثر من ثلاثة أشهر،وهذا يوضح أن تقزم والمليشا وممولها وواشنطن يريدون فقط استخدام العمل الإنساني كمدخل لدعم المليشيا لا اكثر،كما على الحكومة و وفدها المفاوض في حال إتخاذ الحكومة قرارا بالذهاب الي جنيف أن يدرك أن أهم الأوراق التي جعلت واشنطن وممولي وحلفاء المليشيا يصنعون هذه المبادرة هو الموقف الشعبي المساند لها بالإضافة للمسارات التحالفية الاستراتيجية الجديدة التى افترعهتا مؤخرا، فإن تخلت عنها لأي سبب ومقابل أي وعود تكون بذلك قد نسفت أهم عوامل القوة التي أجبرت واشنطن وحلفائها على إلى الركون للحوار،وتكون ايضا قد أهدرت نضال شعبها وتضحياته والفرصة الذهبية التي لاحت للإنعتاق الأبدي من التقاطعات الإقليمية التى تريد لنا أن نظل رهن مغامراتها السياسية الطائشة، علي الوفد أن يتذكر أن قضايا بلادنا المصيرية يجب ان لا تكون عرضة للتهاون، استجابة لانعطافة بفعل انتخابات أمريكية عابرة،فالادارة الأمريكية الان محاصرة بفعل وعي الرأي العام الأمريكي الذي حررته وسائل التواصل من التدجين الإعلامي فالجميع شاهد مظاهرات الجامعات الأمريكية المساندة للقضية الفلسطينية، فالراي العام الامريكي يتابع الفظاعات والانتهاكات التى تقوم بها المليشيا ويعرف كذلك الدول التى تمولها،فكل هذه العوامل تجعل من موقف الحكومة ووفدها المفاوض قويا مؤهلا فقط لإنجاز السلام وليس الاستسلام.